منتدى بوسعادة


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى بوسعادة
منتدى بوسعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تاريخ الاسلام

اذهب الى الأسفل

تاريخ الاسلام Empty تاريخ الاسلام

مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء 2 أبريل 2013 - 23:53



البطولة في تاريخ الإسلام – 21
الأستاذ أنور الجندي
في تاريخ الإسلام تتكشف البطولة في ثلاثة أبعاد:
- بطولة الحرب والمقاومة ورد الغزاة.
- بطولة الفكر وتصحيح المفاهيم.
- بطولة بناة الدول في مجال الحضارة.
وهي بهذا تكاد تسيطر على تاريخ الإسلام كله للذي يجري في هذه الأبعاد الثلاثة، والواقع أن الإسلام قد رسم أيديولوجية جديدة لها طابعها الخاص، تتسم بالإيمان بالله وقوامها الجهاد في سبيل كلمته وإقامة حياة الفرد والجماعة على أساس العمل المتقدم البناء في مجال الإنشاء والحضارة، ونم خلال هذا المفهوم تتمثل النظرة إلى الحياة والمال والموت والجزاء
ومن هنا برزت "البطولة" التي تمثلت في شخصيات نموذجية أهدت حياتها لتحقيق رسالة الإسلام في الدعوة إليه والدفاع عنه وتصحيح مفاهيمه ورد عادية خصومه عن قيمه وعن أرضه.. ومن هنا كان مفهوم "الجهاد" لا يتوقف على الحرب وحدها وإنما يتسع نطاقه حتى يشمل مجال النشاط الإنساني كله ما دام هدف الحياة الإنسانية الأساسي هو تحقيق رسالة الإسلام ودعوته.
هذا هو التغيير الخطير الذي أدخله الإسلام على مفاهيم الأمة التي بزغ فيها ضوؤه وهي أمة مهيأة بالفطرة لتقبل رسالة عظمى كهذه الرسالة ولما كانت حركات التاريخ كلها تتمثل في أمم وجماعات تكون بطبيعتها معدة إعداداً نفسياً وبيئياً ووراثياً لحمل رسالة معينة، فإنه من خلال هذه الجماعة تبرز بطولات الأفراد التي تخطو بالعمل خطواته المنوالية.
كذلك فإن الأمة العربية بطبيعة تكوينها وبيئتها ووراثياتها، وهي تعيش في هذه الجزيرة الضيقة المنعزلة عن حضارة الرومان وحضارة الفرس والتي بعدت عن عبور الغزاة وحركات الغزو ومعارك القتال وتيارات الحضارة والفكر والمذاهب والأديان، إنما كانت معدة بذلك إعداداً خاصاً لتلقي رسالة ضخمة إنسانية عالمية تحمل لواءها بكل هذه العوامل المكونة لنفسية جماعتها وأفرادها، وقد التقى مفهوم الإسلام بطبائع العرب. فتحقق بذلك تحول خطير في قيم العرب وفق مقاصد الإسلام، وقد حدث هذا التحول الخطير في دقة ويسر.. واستطاعت أعوام لا تزيد على نيف وعشرين عاماً هي حياة الرسول محمد بن عبد الله منذ بعثته إلى وفاته، أن تحقق هذا التحول.. فقد عرف العرب بالشهامة والكرة والقوة والعزم والمقاتلة والصبر والصمود والبذل. وتلك كلها صفات يرتضيها الإسلام.. غير أنها قبل الإسلام كانت موجهة في بسيل الغاية الفردية. والاستطالة والثأر. والاستعلاء والظلم. فكان أن حولها الإسلام إلى مفهوم إنساني رفيع، وجعلها في سبيل تحقيق هدف ومن أجل غايات عليا قوامها الإنسانية والتوحيد والعدل والحق والحرية، وأحاطها بسياج متين من الضوابط، فعدل اتجاهها وبالتالي عدل اتجاه النفس الإنسانية العربية وجعل عزيمتها الصارمة قوة لا حد لها في سبيل إذاعة كلمة الله في الآفاق وتحطيم كل قوة تحول دون توسعها.
دون أن تكون قوة عدوان أو تسلط أو ظلم. وإنما تكون وفق مفهوم القرآن "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا..".
والمسلمون يقاتلون في سبيل غاية عليا هي تحقيق كلمة الله ونشر الإسلام والدفاع عنه. وهم لا يطمعون في مغلم مادي بالدرجة الأولى. وهم في أعمق أعماقهم قد خرجوا على مضمون واضح في نفوسهم.. هو النصر أو الشهادة.. وفي حال الشهادة يحس المسلم أنه أحرز أكثر نصر.. فهو قد قدم روحه في سبيل فكرة ملأت نفسه وفاضت بها روحه. ومن هنا فهو يقاتل دون أن يخشى الموت أو القتل لأنه وطد نفسه على أن يموت. فلابد أن ينصر الكلمة التي آمن بها أولاً. ومن هنا فإن النتيجة أن ينتصر ولا يموت، تحقيقاً لقانون صادق: "اطلب الموت توهب لك الحياة". وليس معنى هذا أنه لم يقتل من المسلمين أحد، فقد قتل الكثيرون ولكنهم ماتوا شهداء.. مؤمنين بأنهم قد أدوا حق الله في سبيل مبدأ آمنوا به وعقيدة ملأت نفوسهم.
وقد عاش هذا المعنى في نفوس المسلمين طويلاً وما زال حياً نابضاً بالحياة، فهم يتمثلون في كل خطوة، ذلك المعلم الأول والقائد الأول.. ما تزال صورته الواضحة الدقيقة المتمثلة في كتب السنة، وفي مختلف تصرفاته، تواجههم وتملأ قلوبهم بالشوق إلى المتابعة والتأسي. فقد كان صلى الله عليه وسلم هو التطبيق العملي لفكرة الإسلام ومقاصده وأهدافه.
فكان تجسيداً كاملاً لتعاليم الإسلام، والأسوة الحسنة للمسلمين، كان خلقه القرآن.. وقد وصفه الحق بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم".
وقد تمثلت البطولة بعد مرحلة النبوة في مواجهة الردة التي أصبحت الجزيرة العربية عليها ذات يوم بعد اختيار النبي للرفيق الأعلى، وفيما عدا تثقيف وقريش فقد ارتد سائر العرب.. وكان موقف الصديق، دائماً قوياً فقد أصر أبو بكر الخليفة الأول على المقاومة ورفض الاستسلام.. وأنفذ أحد عشر جيشاً في يوم واحد.. واستطاع أن يستأصل الردة في معارك متعددة أكبرها معركة اليمامة..
وسرعان ما أبرزت هذه المعركة الأساسية في ميزان بقاء الإسلام بطولات. في مقدمتها بطولة البراء بن مالك. فقد زحف المسلمون حتى الجئوا المرتدين إلى حديقة أطلق عليها من بعد (حديقة الموت) وفيها مسيلمة مدعي النبوة.
فقال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديثة.
فقيل للبراء: لا تفعل.. قال: والله لتطرحني عليهم فيها..
فحمل إلى أن أشرف على الحديقة حتى فتحها للمسلمين.
وفي مواقف متعددة وغزوات مختلفة توالت على ثرى الشام وفارس والعراق ومصر برزت معالم البطولة الإسلامية حية نابضة بالحياة. وقد غيرت مقومات الإسلام القيم والمفاهيم لدى المرأة، كما غيرتها لدى الرجل. فقد جاهدت المرأة في الحرب وقاتلت.. فقدمت حليها وشعرها.. وفي معركة اليرموك قاتلت النساء في جولة فخرجت جويرية بنت أبي سفيان ومعها زوجها فقاتلت قتالاً شديداً.
وهكذا بدت بطولة الحرب والمقاومة في صورة نم أدق صورها. مستمدة قوتها نم مفهوم الإسلام نفسه. وإذا كانت بطولة الحرب قد توقفت في العام 114 هـ بصورة عامة، فإنها ظلت حية تتمثل في حركة المقاومة التي لم تتوقف في جبهات الحدود الإسلامية البيزنطية والحدود الأندلسية الأوربية والإسبانية وفي حدود عالم الإسلام والمشرق.
فقد امتدت معارك المقاومة متقطعة على مراحل وفترات ولكنها كانت وفق خطة لم تتغير من جانب العدو هي: الإدالة من علم الإسلام أو الحيلولة بينه وبين التوسع... ثم برزت ثلاث معارك ضخمة.. هي الحروب الصليبية في المشرق وحروب الفرنجة في الأندلس والمغرب والغزو الصليبي التتري. وفي خلال هذه المعارك تجددي مفاهيم الإسلام في المقاومة بصمودها وسماحتها في الوقت نفسه. وبرزت نماذج جديدة من البطولة الحربية، وتشابهت صور نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي مع صور خالد ابن الوليد وسعد بن أبي وقاص.. وتلمس المسلمون على المدى الطويل أخلاق الإسلام ومفاهيمه، يحاولون أن يكونوا على مستوى الرعيل الأول حماية للذمار ومقاومة للعدو وعدلاً وسماحة.
بطولة العلم التجريبي
لا مشاحة إن العلم كان ولا يزال من أخصب جوانب الفكر الإسلامي ودعامة أساسية في بناء الحضارة الإسلامية فقد حرض القرآن على اصطناع العقل، ودعا إلى النظر في الكون والبحث في أعماق الأرض ففتح الباب واسعاً للمسلمين مذ اللحظة الأولى لنزوله إلى النظرة العلمية العقلية القائمة على التكامل بين العقل والقلب والوسطية بين الروح والمادة وقد كانت أزهر فترات التاريخ الإسلامي هي المرحلة التي توازن فيها الفكر الإسلامي: جامعاً بين الدين والدنيا وبين ثقافة القلب وثقافة العقل..
وفي مجال العلم برز أبطال من الباحثين الدارسين لم يتوقف أمرهم عند علوم الشريعة والعقيدة والأخلاق وإنما امتد إلى مجال العلوم الطبيعية والرياضية فبلغوا في مختلف مجالاتها قدراً عاليًا، وقد كانت قاعدتهم الأساسية: العلم هو علم الدنيا والآخرة معاً وهو العلم الجامع بين بناء الحضارة وبناء النفس الإنسانية جميعاً.
هذه النظرة كانت قيمة أساسية في مجال البحث العلمي الإسلامي.. أما انحراف هذه النظرة في مرحلة الضعف حين غلبت (الجبرية) وحين انصرف المسلمون عن العلوم الطبيعي والرياضية فذلك انحراف لا ينسب إلى الإسلام وإنما ينسب إلى المسلمين.
وقد بدأ المسلمون ممارسة العلم والبحث في مختلف المجالات قبل أن يتصلوا بالفلسفات اليونانية وغيرها فلما بدأت ترجمة الآثار اليونانية أخذوا تلك المبادئ القليلة التي كانت عند اليونان فنظروا فيها وعرضوها على مفهوم التوحيد الخالص فرفضوا منها وقبلوا ثم نموا ما قبلوه وأضافوا إليه ثم أبدعوا علوماً أخرى لم يسبقهم إليها أحد.
ولاشك أن اتجاه الفكر الإسلامي إلى الانفتاح على الثقافات البشرية: فارسية ويونانية وهندية، كان إيماناً بإنسانية الفكر الإسلامي ومرونته وحيويته وقدرته على استيعاب الثقافات البشرية وصهرها في بوتقته ورفض ما لا يتفق مع مفاهيم الإسلام ومقوماته. وإذا كان أئمة المسلمين يهدون الهدايا إلى حكام بيزنطة إغراء لهم بإرسال الكتب القديمة، بل وكانوا يجعلون هذه الكتب من الجزية المفروضة على الروم فإن دلالة هذا التصرف واضحة في فهم المسلمين للإسلام وجرأتهم في مجال العلم والعقل والبحث.
وقد نما الفكر الإسلامي من خلال العقائد والفقه وكان تحقيق الحديث النبوي علامة ضخمة على قيام المنهج العلمي الموثق لقبول النصوص أو رفضها، هذا المنهج الذي نما بعد ذلك في مجال الفقه والتاريخ، ثم كانت التفريعات والتشقيقات التي قام بها المفكرون المسلمون إزاء القضايا والأحداث والمواقف المتعددة لإيجاد حلول منوعة لكل حالة من حالات المجتمع وعلاقات الناس في مختلف البيئات والعصور.
كانت هذه الممارسة مقدمة للعمل في مجال الفلك والكيمياء والرياضيات والطب الذي حقق مولد حدث ضخم هو (المنهج التجريبي الإسلامي) الذي رسم المفكرون المسلمون والعرب منهاجه ووضعوا قواعده وأقاموا عليه أعمالاً ضخمة وحققوا به تقدماً بارعاً.
هذا المنهج التجريبي الإسلامي هو آخر ما أهدت الحضارة الإسلامية لأوروبا في القرن العاشر الهجري والقرن السادس عشر الميلادي عن طريق الأندلس بعد أن سجل أعلام العلم التجريبي خطوات واسعة تشهد بدور المسلمين في إقامة هذا المنهج وممارسته، وفي مقدمة هؤلاء الرازي وابن سينا والخوارزمي والبتاني والبيروني وعمر الخيام، وابن زهر وابن خاتمة وابن الهيثم وابن العوام وابن البيطار وابن رشد وابن الخطيب.
الآراء اليونانية بالآراء الهندية. وقال: إذا لم يكن هذا الذي فعله العرب ابتكاراً فليس في العلم ابتكار على الإطلاق، فالابتكار العلمي في الحقيقة إنما هو حياكة الخيوط المتفرقة في نسيج واحد.
والحق أن المسلمين لم ينقلوا المفهوم الرياضي الإغريقي بل وضعوا مفهوماً جديداً – كما فعلوا في الفلسفة والأخلاق والتصوف والأدب، وكل الفنون التي كان لها وجود سابق على الإسلام. وكان مفهومهم قائماً على الربط الوثيق بين مكتشفات العلم وبين مبادئ الإسلام.
وهكذا كان موقف المسلمين من العلم موقفاً له طابعه الاستقلالي الإبداعي، وإذا كانوا قد أخذوا من تراث الأقدمين فإنهم لم يستسلموا له أو يتوهوا فيه ولم يدعوه يصوغهم بل هم الذين صاغوه وفق إطار واضح منت قيمهم ومفاهيمهم، ذلك أن القرآن قد دعاهم إلى العلم وحثهم الإسلام على النظر في الكون والبحث في الأرض فلما تسلموا زمام العلم لم يخضعهم، وإنما أخضعوه وحرروه من زيوف الوثنيات والغموض وحاولوا دون أن يكون وسيلة للعدوان أو أباحته. فقد أعادوا صياغته في ضوء مفهوم الإسلام خلقاً جديداً مختلفاً كل الاختلاف ثم أقاموا عليه بناء ضخماً وأضافوا إليه إضافات كبيرة.
وقد كانت أداة العمل في مجال العلم عند المسلمين هي:
(النظر العقلي + التجربة + الرحلة) وقد بلغ المسلمون في ذلك غاية الغايات فحققوا النصوص القديمة ورفضوا ما لا يقبله العقل والتمسوا التجربة في المعامل فقاموا بها على الحيوانات والحشرات ثم ذهبوا إلى أطراف الأرض يبحثون عن الحقائق وقد رحل البخاري ستة عشر عاماً ورحل الغزالي عشر سنوات ورحل ابن بطوطة ربع قرن كامل.
كما حفلت عواصم الحضارة الإسلامية بمعاهد العلم ومعامله ومراصد الفلك والمكتبات، وكان في بغداد وحدها في عصر المقتدر بالله الخليفة العباسي ما قارب التسعمائة طبيب ممن جازوا الامتحان ليكونوا أطباء وقد نظمت صناعة الطب فكان للأطباء رؤساء وكان عليهم رقباء لاتصال أعمالهم بمصالح الناس كافة، ومن الأطباء من كان خاصاً بالجند فهو يصحبهم في أسفارهم ولهم رواتب ومنهم من يطببون العامة وهم غير المرتزقين ومنهم متخصصون ومنهم الطبيب على إجماله ومنهم الجراح والفاصد ومنهم الكحال أي طبيب العيون والأسنان ومنهم من يقتصر عمله على معالجة النساء ومنهم من يطب للمجانين. وكانت جامعة بغداد تعتمد سنوياً مليوناً ونصف مليون فرنك لشراء الكتب والمخطوطات.
ولم يقف شأن العلماء التجريبيين المسلمين عند مجال الطب بل تعداه إلى مختلف مجالات الفلك والجغرافية والكيمياء والفيزياء، والنبات والزراعة والرياضة والتاريخ والرحلة والكشف.
وقد سبق الباحثون المسلمين علماء أوروبا في (تقعيد) القواعد فابن حزم وضع أسس نظرية المعرفة التي قام بها (كانط) بعده بثمانية قرون.
وابن خلدون بسط فلسفة الاجتماع قبل منتسكيو وتادر بخمسة قرون. وبراهين الغزالي للدفاع عن الإيمان سبقت نظرات القديس توماس الاكويني بعشرة قرون.
وكان أبرز عوامل التقدم العلمي الإسلامي سماحة المسلمين في تلقي علوم السابقين لهم وإن خالفت أصول فكرهم كما كان العلماء المسلمون سمحاء مع اليهود والنصارى، ذلك التسامح الذي لم يسمع بمثله في العصور الوسطى، وكانوا آية التسامح في عرض علوم الملل والنحل، وقد قدموا كل نتاج أبحاثهم العلمية في الأندلس إلى أوروبا بسماحة، وكان العلماء المسلمون مطبوعين على الخلق والصدق وشمول النظرة بين العلوم العقلية والشرعية والرياضية. والحق أن الإسلام لم يعط الغرب أساس البحث العلمي التجريبي فحسب ولكنه أعطاه مفهوم الحرية والاندفاع نحو العمل والبناء والإنشاء والابتكار، وهو ما قدمه ابن رشد للفلسفة الأوروبية من مفاهيم زلزلت القيم الجامدة القديمة، حيث تغيرت نظرة إنكار الدنيا والتشاؤم التي كانت غالبة على الفكر الأوروبي وحلت محلها نظرة إيجابية مصدرها الإسلام، فالإسلام وهو دعوة البحث عن الحق قد حرض الناس على السعي إليه عن طريق المعرفة والدفاع عنه وقدم في هذا المجال قانونين أساسيين:
(الأول).. هو الشك قبل الإيمان وقدم لذلك قصة إبراهيم الذي تطلع إلى القمر ثم الشمس وغيرهما ثم دخل بعد الشك في الإيمان.
(الثاني).. جعل للمجتهد أجراً إذا أخطأ، وأجرين إذا أصاب..
وقد أكد العلامة بريفولت دور المسلمين في إبداع المذهب العلمي التجريبي فقال:
لا يستطيع (روجر بيكون) ولاسميه الذي جاء من بعده أن يدعيا أنهما ابتكرا الطريقة التجريبية، تلك الطريقة التي هي من صنع العرب وحدهم ولم يسبقهم إليها باحث أو مفكر وكل ما عمله (بيكون) أنه كان تلميذاً مخلصاً للمسلمين تلقى أفكارهم كما تلقى عنهم الطريقة التجريبية التي ابتكروها ونقها إلى أوروبا.
وقد أرسى العلماء المسلمون قاعدة بحثهم على هذه الأسس:
1- تكريم العقل.
2- احترام الشخصية الإنسانية.
3- العدل والمساواة.
4- الإيمان بالعلم والحقيقة.
5- الاعتماد على التجربة.
6- الاعتقاد ببقاء الروح بعد البدن.
7- الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة.
8- القول بإله واحد قديم خلق العالم من لا شيء.
بطولة العلم والعلماء
للعلم والعلماء صفحة بطولة في تاريخ الإسلام، ورائعة باهرة، ففي كل مجال من مجالات العلم نجد أسماءهم اللامعة وإضافاتهم البناءة.
ففي التاريخ: الطبري والمسعودي وابن الأثير وابن خلدون.
وفي الأدب: الجاحظ وابن قتيبة والخليل بن أحمد.
وفي الفلسفة: الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد.
وفي التصوف: ابن عربي وابن الفارض والشعراني وعبد القادر الجيلاني.
وفي الكلام: واصل بن عطاء والنظام والأشعري والماتريدي والباقلاني والجويني.
وفي الحديث النبوي: ابن شهاب الزهري، وابن جريج المالكي وابن إسحق والترمذي.
وفي الفقه: مالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل وأبو يوسف.
وفي العلم: الخوارزمي والبيروني والبتائي وجابر بن حيان والرازي وابن الهيثم وثابت بن قرة.
وفي تصحيح المفاهيم: ابن حزم والغزالي وابن تيمية.
وابن سينا أعظم الأطباء والبيروني أعظم الجغرافيين وابن الهيثم أعظم علماء البصريات وجابر بن حيان أعظم الكيميائيين وابن رشد فقيه وفيلسوف.
يقول ول ديورانت: ليس ما نعرفه من ثمار الفكر الإسلامي إلا جزءاً صغيراً مما بقي من تراث المسلمين وليس هذا الجزء الباقي إلا قسماً ضئيلاً مما أثمرته قرائحهم وليس ما أثبتناه إلا نقطة من تراثهم.
كان لهؤلاء العلماء رحلاتهم الطويلة من أجل البحث عن النص وتحقيق السند، ذهب البخاري في رحلته الطويلة بضعة وعشرين عاماً في تحقيق الحديث، وجد سبعين ألفاً وأقر منها أربعة آلاف فقط. وعرض لذلك كله في ذوق رفيع وأدب وخلف فلم يهاجم أحداً، ولما عاد رفض أن يحدث الناس إلا في بيته أو في المسجد.
وكانوا جميعاً يوجهون العلم لله خالصاً ولخدمة الأمة، ولا يتطلعون إلى مال أو جائزة سنية، كان ابن الهيثم صاحب نظرية الضوء التي قام عليها علم أوروبا كله يعتمد في كسب قوته على نسخ الكتب وكان يقول: يكفيني قوت يوم، وقال كلمته المشهورة عندما وصلته هدية أحد الأمراء: أعلم أنه لا أجر ولا رشوة ولا هدية في إقامة الخير ونشر العلم.
أما البيروني فقد رد ثلاثة جمال تنوء بأحمالها من النقود وقال: "إنما نخدم العلم للعلم".
وفي مجال العلم عرفوا: "البرهان والحق" فقد دافع ابن حزم عن كروية الأرض بالعقل والدين وسبق "كانت" في نظرية المعرفة بسبعة قرون وقال: إن التقليد حرام، ولا معجزة لنبي بعد وفاته. وكان مذهبه "لا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد من غير برهان".
والفارابي فكر في أمم متحدة منذ قرون، ومدينته الفاضلة تضاءلت إلى جانبها جمهورية أفلاطون، فقد أقامها على العدل المطلق بين أبناء المدينة أما أفلاطون فقد رفع الأمراء وجعل عامة الشعب عبيداً. والأمة عند الفارابي جسم واحد لا يستقيم أمره إلا بالتضامن والتعاون.
وقد ظهرت آراء الفارابي فيما بعد في نظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، ومن آراء الفارابي: إن السعادة ممكنة على وجه الأرض إذا تعاون المجتمع على نيلها بالأعمال الفاضلة، ويرى أن النجاح في الأعمال هو تمام ارتباط العلم بالعمل وأن بلوغ الغاية يكون بإصلاح الإنسان نفسه ثم إصلاح على النجوم، هذه الأسماء التي تزال حتى اليوم تطلق عليها في عصر غزو الكواكب، فالشعري اليمانية والعيون والسماك والرامح والنسر وقلب العقرب، ما زالت تترجم إلى اللغات الأوروبية بأسمائها العربية. وقد كشف علماء المسلمين عن المجموعات الفلكية: مجموعة العقرب والبروج الاثنا عشر والدب الأكبر والنجم القطبي والفرقدان والحاوي.
"وابن رشد" دعا إلى مشاركة المرأة الرجل في خدمة المجتمع والدولة، وعنده أن النظر البرهاني لا يؤدي إلى مخالفة ما ورد به الشرع فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له. أما "الغزالي" فقد سبق "كانت وهيوم" وغيرهما من الفلاسفة العقليين في مسألة قدم العالم والزمان والمكان بمئات السنين واهتدى في ذلك إلى آراء سبق بها فلاسفة القرن الثامن عشر.
و "الطوسي أبو جعفر": له فضل إقامة مرصد مراغة العظيم، وله مؤلفات رائعة في علم التحول وانعكاسات الشعاعات قال سارذون: أن أقوال "الطوسي" مهدت للأعمال التي قام بها "كوبرنيكس" فيما بعد وبحوثه عن الكرة السماوية ونظام الكواكب. وكتابه "شكل القطاع" أنه كتاب يفصل المثلثات ويجعلها علماً مستقلاً.
أما "الشاطبي" فقد توصل إلى نظرية شبيهة بما يسمى في القوانين العصرية بـ "نظرية التعسف في استعمال الحقوق" فأثبت بعد تحليل وتفصيل دقيقتين أنه يجب منع الفعل المأذون فيه شرعاًَ إذا قصد منه فاعله الإضرار بالغير. وقال "ابن حزم" زعم قوم أن الفلك والنجوم تعقل وأنها ترى وتسمع، وهذه دعوى باطلة وبلا برهان وصحة الحكم أن النجوم لا تعقل أصلاً وأن حركتها أبداً على رتبة واحدة ولا تتبدل عنها، وهذه صفة الجماد الذي لا اختيار له، وليس للنجوم تأثير في أعمالنا ولا لها عقل تدبرنا به، إلا إذا كان المقصود أنها تدبرنا طبيعياً كتدبير الماء والهواء ونحو أثرها في المد والجزر، وقال إن النجوم لا تدل على الحوادث المقبلة.
أما إبراهيم النظام فدعا إلى الشك في سبيل اليقين وقال: إن الشك سبيل الإنسان إلى كل يقين وإن طالب العلم لا يكون كحاطب ليل، بللا ينبغي أن يتخير مما فيها ولا يسمح أن يدخل في نفسه إلا الجد المنتقى وعنده أن الكتب لا تحيي الموتى ولا تحول الأحمق عاقلاً ولا البليد ذكياً ولكن طبيعة الإنسان إذا كان فيها أدنى قبول فالكتب تشحذ وتفتق وترهف وتشفي.
ويقول: الشاك أقرب إليك من الجاحد، ولم يكن يقين قط حتى صار فيه شك ولم ينتقل أحد من اعتقاد إلى اعتقاد غيره حتى يكون بينهما حالة شك.
والمعروف أن النظام وواصل بن عطاء وغيرهما كان لهما دور ضخم في الدفاع عن الإسلام في وجه مناهج الفلسفة اليونانية التي حمل لواءها خصوم الإسلام وقد استطاع بعمق منطقه وسلامة جداله تصحيح الحقائق والعقائد في نفوس المئات.
وقد عرف علماء المسلمين "التقنين" ممثلاً في اللغة القانونية المحكمة التي كتبت بها مصنفاتهم الفقهية وفي التبويب الدقيق للمسائل مما نجده في أوضح صورة في المختصرات المكرسة للفقه العملي مثل كتاب الماوردي وكتاب أبي يعلي المعاصر له والحامل نفس العنوان. وقد نسقت أحكام هذه المختصرات على صورة تجعل من الميسور تصنيفها إلى مواد قانونية على الشكل المتبع في التقنين الحديث وكان ابن حجر العسقلاني واحداً من أعمدة المنهج العلمي، يقول "البقاعي" عنه: لا يستطيع أحد أن يقسره في شيء أصلاً، أو أن يقرب من ذلك فهو لا يقبل كلام أحد في غيبة خصمه فو آية في حسن القضاء ومعرفة دسائس الناس في كلامهم والاهتداء إلى قطه الأمور. له في المناظرة مسلك غريب قل أن يثبت له في ذلك أحد. ويركز "الترمذي" منهجه الفكري على الحق والعدل والصدق. يقول: إنا وجدنا دين الله عز وجل مبنياً على ثلاثة أركان: على الحق والعدل والصدق، فالحق على الجوارح والعدل على القلوب والصدق على العقول، فإذا افتقد الحق من عمل خلفه الباطل وإذا افتقد منه العدل خله الجور وإذا افتقد منه الصدق خلفه الكذب. فهذه الثلاثة جند المعرفة وهذه الثلاثة التي هي أضدادهن جند الهوى.
والطرطوشي في كتاب (سراج الملوك) يسبق فلاسفة السياسة وفن الحكم في أوروبا وهو واحد من عدد من علماء الإسلام الذين عملوا في هذا المجال: كالغزالي في التبر المسبوك والشيرازي في المنهج المسلوك في سياسة الملوك وابن طباطبا في (الفخري) وأبرز مفاهيم الطرطوشي أنه لا يفرق بين السياسة والأخلاق بل يراهما شيئاً واحداً متفقاً، وهذا المنهج الإسلامي يخالف منهج "ميكافللي" في كتابه الأمير.
أما "الكندي" الفيلسوف فقد درس الصلة بين الموسيقى وتحريك النفس وما يناسب أحوالها وما يبعث السرور، ودس علاقة ذلك بالطب وأمكنه التوصل إلى إمكان معالجة المرضى بالموسيقى، وذلك ضرب الأنغام المناسبة للمريض.
وعرف المقدسي بأنه أعظم جغرافي عرفته البشرية قاطبة على حد تعبير المستشرق "أشيرنجر" فقد طاف العالم كله ما عدا الأندلس والسند وركب المخاطر في بحر الهند والبحر الأحمر والبحر الأبيض يقول: ما بقيت خزانة ملك إلا وقد لزمتها ولا مذاهب قوم إلا وقد عرفتها ولا أهل زهد إلا وقد خالطتهم ولم يبق شيء مما يلحق المسافرين إلا وقد أخذت منه نصيباً غير الكدية "التسول" وركوب الكبية، وقد تفقهت وتزهدت وتعبدت وفقهت وأدبت وخطبت على المنابر ودعوت في المحافل وتكلمت في المجالس وأكلت مع الصوفية الهرائس، ومع الخافقائيين الثرائد، ومع النواتي "الملاحين" العصائد، وطردت في الليالي من المساجد، وسحت في البراري وتهت في الصحاري.
أما "الطبري" فقد صور منهجه في كتابة التاريخ في مقدمة كتابه "تاريخ الرسل والملوك" فقال: ليعلم الناظر في كتابنا إن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره منه مما شرطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه والآثار أنا مسندها إلى رواتها دون ما أدرك بحجج العقول واستنبط بفكر النفوس. وابن كثير "الذي تصدى للمرويات الإسرائيلية وفصل القول فيها وهو يرى أن القرآن قصد إلى الإجمال فيجب الوقوف عند ما قصد إليه والزمخشري في (الكشاف) يحرر فكره من الخضوع للأهواء ويعارض العلماء ذوي الأهواء الذين جمعوا عزائم الشرع ودونوها ثم رخصوا فيها للأمراء وهونوها ومقال: إنما حفظوا وعقلوا وصفقوا وحلقوا ليجمعوا المال ويسيروا". والخليل بن أحمد واضع قواعد العروض ومناهجه، وأبو الأسود الدؤلي واضع مناهج الفصحى وقواعد النحو والجاحظ واضع مناهج النقد الأديب، والشافعي واضع مناهج الاستنباط وأصول الفقه.
والأشعري صاحب الحملة على الانحراف إلى الفكر اليوناني وابن تيمية صاحب الحملة إلى الطرقيات المنحرفة والغزالي صاحب الحملة على مغالاة الفقهاء.
وابن دقيق العيد الذي قال: "النص" هو الإمام. والرأي هو المأموم والمذاهب ترد إليه. ويقول لا يصح أن يجعل الرأي الذي فيها للنص أصلاً فيرد النص إليه بالتكليف والتحايل.
الأستاذ أنور الجندي


Admin
Admin

المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 02/04/2013
العمر : 33

http://bousaada.mountada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى